قال الدكتور أسامة الأزهري، أحد علماء الأزهر الشريف، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، إن الإمام أبو حنيفة النعمان، إمام المذهب الحنفي وسيد الفقهاء، أتاه الله تعالى براءة في الاستنباط والفهم.
الأزهري يكشف تعامل الأزهر مع العاصي قبل عام 28
وتابع الأزهري، خلال لقائه ببرنامج "يحب الجمال" المذاع عبر فضائية "دي إم سي"، مساء اليوم الثلاثاء: “كلما نبحر مع حياة الإمام أبوحنيفة نراه يفيض بالعلم والديانة والخلق وبعد النظر واكتشاف المواهب والصبر وسعة البال والحلم، والعلم والاستنباط ودقائق الفقه وغرائب التربية العلمية التي ربى بها تلامذته من المجتهدين والفقهاء الذين لوو تحت لوائه”.
وأضاف: "أريد أن أتوقف في حياة هذا الإمام الجليل، عند مشهد عجيب، فالإمام أبي حنيفة كان له جار، وجاره كان يعمل طوال النهار، وإذا جاء الليل يأوي إلى بيته.. وكان هذا الجار يحمل معه لحما فيطبخه أو سمكا فيشويه، ثم لا يزال يشرب الخمر، حتى إذا ما لعبت الخمر برأسه، جعلته طوال الليل يصيح ويهذي وينشد بيت الشعر "أضاعوني وأي فتى أضاعوا.. ليوم كريهة وسداد ثغري"، وكان شيئا في منتهى الإزعاج والضجيج والصخب، متابعا: “لو كان الإمام أبي حنيفة غضوب وقليل الصبر لكان شكى الجار إلى القاضي، فكانت كلمة الإمام مسموعة، خاصة أن الجار بعيدا عن الصخب الذي يحدثه، كان عاصيا يشرب الخمر”.
وأوضح أن الإمام أبي حنيفة النعمان تعامل مع جاره بحلم شديد، فقال فيه بيت الشعر: “يا من تضايقك الفعال من التي ومن الذي.. ادفع فديتك بالتي.. حتى ترى فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”، مؤكدا أن الإمام أبي حنيفة عاش معنى أن التعامل مع الإنسان العاصي يكون بمنتهى الحلم واللطف والصبر وسعة البال، حتى لا يتحول العمل المتسلط من العاصي إلى مزيد من العناد والكبر، فيتفلت من معاني الديانة بالكلية، ويكره الدين ومن يمثل الدين في نظره.
وأشار إلى أن الإمام ذات ليلة وهو يصلي القيام لم يجد الإمام صوت الجار، فعلم من الناس أن “الشرطة” قبضت عليه، فيذهب إليه بدابته، ليستقبله الأمير ويوسع له من مجسله، ويسأله الأمير عن حاجته فيقول الإمام: كان لي جارا، فأخذته الشرطة والعسس، وأمر الأمير بتخليته، ليقول الأمير: نعم نخلي عنه وعن كل من قبض في ليلته إلى يومنا هذا.. إكراما لمقدمك ومجيئك هذا إلى هنا.
واستكمل: "عندما وجد الإمام جاره بعد خروجه من محبسه قال له: انت كل ليلة تنشد “أضاعوني وأي فتى أضاعوا.. هل أضعناك؟ ليقول له جاره: لا بل حفظت ورعيت.. جزاك الله خيرا عن حرمة الجوار ورعاية الحق.. وتاب الرجل ولم يعد لما كان عليه”.
ولفت إلى أن الفقه والعقل الذي خرجت به الجماعات المتطرفة، كان بترهيب الناس من الدين، رغم أن منهج علماء الأزهر قبل عام 1928، وتعاملهم مع العاصي، فكان مثل تعامل الإمام أبي حنيفة مع جاره الذي فيه مشهد الجمال، وهو التصرف النابع من قوله تعالى في الآية الكريمة "ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".